الوصف
صديقي العزيز، بدايةً لا بد من الاعتراف بأن الأسئلة التي تطرحها ليست جديدة، بل هي قديمة وقد تناولها العديد من الفلاسفة والعلماء على مر العصور. ولكن دعني أقدم لك بعض الردود التي ربما تساعدك في التفكير بشكل مختلف.
أنت تقول: “من خلق الله؟”، وهذا سؤال ظاهرًا منطقي، ولكنه في حقيقة الأمر لا يمكن أن يكون جوابًا شافيًا بالنسبة للوجود الإلهي في العقيدة الإسلامية. دعني أشرح لك ذلك.
أولاً، كما ذكرت أنت في سؤالك، نحن نؤمن بأن لكل صنعة صانعا، ولكل مخلوق خالقًا، وهذا جزء من المنطق البسيط الذي نراه في حياتنا اليومية. ولكن هذا المنطق لا يعني أن كل شيء يخضع لنفس القوانين. فحين نرى النسيج، نحن نعلم أنه يدل على وجود نساج، ولكن عندما نتحدث عن الخالق، نحن نتحدث عن كائن لا يخضع لزمان ولا لمكان، وهذا ما يجعل الله سبحانه وتعالى متميزًا عن أي مخلوق آخر. فالسببية، كما فهمناها نحن البشر، هي قانون نعيش ضمنه. الله سبحانه وتعالى، الذي خلق الزمان والمكان، ليس مقيدًا بهما. بمعنى آخر، نحن نقول أن الله سبحانه وتعالى خارج حدود الزمان والمكان.
تخيل هذا المثل: عندما نقول إن هناك آلة قد تم صنعها، نفترض أنه لابد لها من صانع. ولكن لا يمكننا تطبيق نفس المنطق على خالق الكون. الله سبحانه وتعالى ليس آلة، بل هو الوجود الأول، الذي لا يحتاج إلى سبب أو مسبب لوجوده. فهو موجود بذاته ولا يتطلب وجودًا آخر. فالسؤال “من خلق الله؟” هو في ذاته غير منطقي لأنه يفرض أن الله يتبع نفس القوانين التي تسري على مخلوقاته، بينما هو الذي أنشأ هذه القوانين. هو الأول والآخر، لا زمان ولا مكان يمكن أن يقيد وجوده.
أما عن قضيتك بأن الله قد يكون متأثرًا بقوانين المخلوقات، فهذا نوع من السفسطة التي تعكس محدودية تفكيرنا. نحن محدودون بطبيعتنا كبشر، لذا نحاول فهم كل شيء بما يتناسب مع قوانيننا ووجودنا. ولكن الله سبحانه وتعالى لا يحده شيء. عندما نبحث عن الله من خلال أفقنا الضيق، نتصور أنه يجب أن يخضع لقوانيننا، ولكن الحقيقة أن الله هو الذي أسس هذه القوانين ونحن نحاول فهمه من خلالها.
وأخيرًا، إذا كانت الفكرة التي تتبناها هي أن كل شيء يجب أن يكون له سبب، فإن ذلك يعني أن عالمنا بأسره يخضع لمجموعة من الأسباب والنتائج المتسلسلة. ولكن إذا توقفنا عند نقطة ما في هذه السلسلة وقلنا “من الذي بدأ كل شيء؟”، فالإجابة هي الله. الله هو البداية والنهاية، ولا يمكننا أن نطبق عليه قوانين موجودة في العالم المادي الذي خلقه.
في النهاية، إيماننا بالله هو إيمان بعقلانية ووعي بأننا لا يمكننا حصر الله في أي معادلات بشرية أو قوانين مادية. الله أكبر من أي تصورات يمكننا أن نضعها.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.