الوصف
كانت أقدامي تمشي على سراديب الإسكندرية المخبأة في أحضان التاريخ، تتردد في الأفق أصوات الماضي، وتنبض الحياة في زواياها المظلمة. المكان كان يعج بعوالم سحرية، وكأن الهواء نفسه يحمل سرًا خفيًا يهمس في أذني. في تلك الليلة العجيبة، كانت السماء تشهد البرق والرعد يتصاحبان كما لو أن الكون ذاته يعلن عن حدث غير مألوف، البحر يخرج عن مجراه ليطوف على كورنيش المدينة، طوفانٌ غريبٌ ومهيب، رقصات البحر السريالية تروي حكاية قديمة عن أسرار الإسكندرية التي لا تنتهي.
أما الطريق الكانوبي، ذلك الشارع الذي كان يحمل في طياته أسرار العصور القديمة، كان شاهداً على رحلة بدأت للبحث عن قبر الإسكندر الأكبر داخل سرداب مسجد النبي دانيال. مع كل خطوة كنت أشعر بالقرب من سرٍ عميق، ليلحق بي موعد لم يكن في حسبان أي شخص. سأسافر عبر الزمن لأقابل “موافي”، ذلك الرجل الذي يحمل في جيبه خريطة الجرسون اليوناني “ستيليو كومتسوس”، والذي عمل في مقهى أمبريال في الخمسينيات، محملاً بأسرار خفية لا يدركها إلا القليل.
وهنا يبرز “فِيدياس”، الفنان الذي يشبه سراديب الإسكندرية بكل تفاصيلها، يربكك بأعماقه، يخلق حالة من الغموض بين الجنون والعقل، بين الحقيقة والخيال. هو نقطة التقاء بين الأزمان، بين ما قبل التاريخ وما بعده. تلك الشخصية التي تحمل في طياتها كل معاني الفوضى والتنسيق معًا، كخيط رفيع يجمع بين النقيضين.
أما عن “سيلين”، فقد تركت في قلبي أثراً لا يُمحى. مثل فِيدياس الذي افتقد أفروديت، أنا أيضًا افتقدتها مع مرور الأيام، وكان قلبي لا يرقص لغيرها. على صندوق الرسائل، اتفقنا على أن نكتب لبعضنا البعض، رسائل يومية تملأها مشاعرنا الحية بالتاريخ والساعة، نبادل الحروف في كل عام يومًا بعد يوم، كأن الزمن قد توقف بيننا، وتظل الذكريات تتناثر بين سطور كلماتنا.
المراجعات
لا توجد مراجعات بعد.