نمر بأوقات تشتت لا نملك بها القدر الكافي من التركيز وقد نصل لمرحلة انهاء كتاب وفور طي الغلاف لا نتذكر ما كنا نقرأ، هذا يحدث لنا جميعًا، ولكن كيف نتجنب ذلك؟ القراءة،
أو المطالعة كما كان اسمها الدارج سابقًا، هي فعل اختياري، بدون التزامات دراسية أو عملية، كل القراء يفعلون ذلك لأنهم يجبون القراءة أو لأن لهم هدف ما وراء قراءتهم تلك، وفي الحالتين سيحب الجميع أن يتذكروا ما قاموا بقراءته بالفعل، وإلا ما الجدوى من القراءة في الأساس؟
في البداية علينا أن نتفق جميعًا أن القراءة ليست بالمذاكرة، وأن قليلون فقط في العالم هم أصحاب الذاكرة الحديدية الذين لا ينسون شيئًا، ولكن ما طريق الانسان العادي ليذكر القدر الاكبر مما يقرأ؟ علينا ان نتفق أن المعرفة تأتينا عن تراكم القراءات، ولكن هناك طرق يجب مراعاتها ان كنا نريد حقًا الاستفادة بكل ما نقرأ، وهذا ما نناقشه هنا:
١- قد باختيار كتاب مناسب، لا تنجرف وراء كتبت الموضة التي تنتشر بشكل مفاجئ ويتحدث عنها الجميع ثم تختفي مرة أخرى، قم بسؤال نفسك، ما الذي تريد قراءته ولماذا؟ ان وجدت الاجابة مقنعة بالنسبة إليك فانطلق في طريقك، إن لم تجدها مقنعة بالقدر الكافي فعليك الالتفات لكتاب آخر.
٢- قم بالاطلاع على الكتب الجادة سريعًا قبل البدء في قراءتها، اقرأ المقدمة، وانظر على الفهرس واقسام الكتاب، فعلى عكس الكتب الأدبية تحتاج الكتب الجادة لتركيز اكبر، وإن لم تكن مهتمًا بالقدر الكافي فلا جدوى من القراءة، وإن كنت مهتمًا بفصل من بين عدة فصول فلا تتحرج أن تقرأ ذلك الفصل وحده، لن يجبرك أحد على عكس ذلك ولا تجبر نفسك على قراءة ما لست مهتمًا به.
٣- اقرأ بتركيز أو لا تقرأ، لا توجد عدادات للقراءة ولا تنجرف وراء تحديات القراءة التي تضع ضغطًا على البعض بقراءة سريعة غير مجدية، اقرأ في الوقت الذي يطاوعك به عقلك، وحاول هضم كل ما تقرأ قدر الملاحطات.
٤- صفحات الكتب ليست مقدسة، وعلى عكس ما قد يروج له البعض، فالكتب التي قرأها أحدنا يجب أن تظهر عليها آثار القراءة وإلا فإنها لم تقرأ بجدية، لا تتحرج أن تقوم بالتخطيط أسفل الأفكار التي تثيرك ولا يوجد جرم ما للكتابة في هوامش الكتب، بل تلك الطريقة الصحيحة للتفاعل مع النص الذي تقرؤه.
٥- دون الملاحظات، من الممكن أن تكون ملاحظة بها اتفاق مع ما تقرأ وقد تكون ملاحظات معارضة، عليك أن تكون ناقدًا في قراءتك حتى تستوعبها بحق.
٦- لا تفكر في ما يسمونه القراءة السريعة، فالقراءة فعل تأمل لا ضرورة فيه للتعجل، وما نعرفه بالقراءة المتأنية الفاحصة الناقضة لا يمكن الحصول عليه بتقنيات القراءة السريعة ولا بالاطلاع على ملخصات الكتب بالطبع!
٧- ناقش ما تقرأ، وهنا تكمن أهمية احاطة نفسك بمجموعات قارئة يمكنك دائمًا النقاش مع أفرادها وتحديد قراءات معينة لقراءتها معًا بشكل متزامن والنقاش بها، والنقاش هو ما يجعل الفكرة تترسخ في عقلك خالصة من المؤثرات الخارجية التي قد تعلق بها.
٨- أعد صياغة ما تقرأ في عقلك أو بكتابة ملاحظات مركزة، يجعلك ذلك تعتصر المحتوى الذي تقرؤه لتقوم بتركيزه في فقرات قصيرة وواضحة.
٩- تعاون مع ذاكرتك، إن كانت ذاكرتك سمعية اقرأ بصوت مرتفع قليلًا حتى تنال استفادة اضافية من ادخال المعرفة لعقلك بطرق مختلفة، وإن كانت ذاكرتك بصرية يمكنك الاستعانة بخيالك في رسم صور لما تقوم بقرائته وذلك يجعل الأمر يسيرًا في التذكر بعد ذلك.
١٠- لا تتلقى فقط، بل تساءل وشكك أيضًا، لا تأخذ أي شيء كأمر مسلم به، وناقض الكاتب كبداية حتى يقنعك بما يتحدث عنه.
وتذكر دائمًا أن الكتب، كأشياء، ليست بالأشياء المقدسة فلا تخجل من الاشتباك معها والتخطيط بها والغوص في هوامشها، القراءة هي الفعل المقدس الذي يزيدنا بالمعرفة التي هي أساس كل شيء