مواعيد العمل: 7 أيام الاسبوع من 9 صباحا الي 10 مساءا

لديك طلب غير مكتمل في سلة مشترياتك، سارع باستكماله الآن واستفد من العروض الحالية.

لماذا نقرأ الأدب؟

لماذا نقرأ الأدب؟

Vectors and Royalty Free Images from 123RF

ننشأ في طفولتنا على الحكايات، تكون هي الطريقة التي نستوعب بها ما يحدث حولنا وتعلمنا كيف نتفاعل معه، نتعلم أن الكذب فعل لا يحمد عقباه بحكاية راعي الغنم الذي كذب على قريته مرة ومرة ومرة حتى توقفوا عن تصديقه وأكل الذئب غنمه، ولا يتوقف التعلم عند طفولتنا بل يمتد لما بعد ذلك، في زمن سابق كانت الحكايات تنتقل مع شاعر الربابة الذي يتغنى بحكايات أبو زيد الهلالي والزير سالم من قرية لقرية، هل كان أهل ذلك الزمن يعانون من الفراغ؟ هل كانت حكايات الطفولة تحكى فقط لتمضية الوقت؟ بالطبع لا، كانوا في حاجة لتبادل الخبرات والمتعة والفكاهة، كما هي حالة كل البشر.  

يدرك الإنسان العالم من حوله عن طريق ما تلتقطه حواسه وما ينتجه عقله نتيجة تحليل تلك البيانات، والقراءة في عمومها هي عملية جمع بيانات غير محدودة، وبقراءة الأدب تطلع على حيوات ليس بوسعك أن تعيشها، حكايات عن زمن فات أو زمن لم يأت بعد أو مكان بينك وبينه آلاف الكيلو مترات، من سيرفض تلك الرحلة؟ 

يتعلم الانسان بصورة أفضل في وجود سياق، في دروس الرياضيات ونحن صغار كانت المسائل الحسابية تأتي منسوجة بقصة: اشترى أحمد خمس برتقالات، أكل واحدة، وأكلت أخته واحدة، كم برتقالة تبقت مع أحمد؟ هكذا فهمنا السياق وفهمنا العملية الرياضية وفكرنا في أحمد، كيف ذهب ليشتري البرتقال؟ وهل لديه أختًا واحدة؟ وتستمر عملية التعلم بنفس السياق على مدار حياتنا ولكن باختلاف الطريقة، حين نكبر تصبح الحكايات أساس جلسات الأصدقاء، وتصبح الأمثال الشعبية هي الصيغة شديدة الاختصار من الحكايات لتنقل خبرة شديدة التركيز لمن سيسمع المثل تعكس معرفة أكبر قد تفيده في حياته. في عالم الكتب قراءة الأدب هي قراءة الحكايات، باب آخره يفضي لفضاء غير محدود من الحكايات التي تأتينا من كل مكان وزمان، لتنقل لنا خبرات وسياقات، ومشاعر قد لا تمهلنا حياتنا لنختبرها، فتكون القصة هي مفتاح معرفة العوالم كلها. 

في حكايات ألف ليلة وليلة مع كل حكاية تحكيها شهرازاد تكسب لنفسها يوم اخر تعيشه، حكاية نعرفها من مئات السنين ومازلنا نعيش بنفس مبدأها إلى الآن، فبكل حكاية نعرفها نكسب بعدًا آخر في حياتنا، قد نعيش كالملوك أو الصعاليك أو ننظر من خلال الكتاب لمعركة حدثت قبل حياتنا بآلاف السنين، كل ذلك يثقل تجربتنا الإنسانية ويؤهلنا لنكون أكثر حكمة في تفاعلنا مع عالمنا. 

لو قرأنا لنجيب محفوظ سنجد أنفسنا في سبيل بين القصرين مرة، ثم على مقهى في الحسين مرة ثم سنسافر للاسكندرية مرة أخرى، كل ذلك ونحن نتشابك مع أحداث اجتماعية وسياسية تدور في الخلفية، وإن قرأنا لبول أوستر سنذهب في زيارة لنيويورك وبعدها سنذهب ونشتبك في المشهد الثقافي في فرنسا مع سيمون دي بوفوار وهناك سنقرأ لطه حسين فنجد نفسنا في مصر مرة أخرى ولكن في أروقة الأزهر أو في قاعات أول جامعة مصرية، كل ذلك نتجول بداخله عن طريق قراءة الأدب، فكيف يعتقد البعض أن قراءة الأدب مضيعة للوقت؟ 

في عالمنا الحديث يميل البعض إلى الاستفادة الآنية أو المباشرة، يريد أن تكون الفائدة في سرعة الكتابة على الهاتف وضغطة زر فتصبح النتيجة أمامه، لكن ليس هكذا تكون القراءة وليس هكذا يكون العالم، يحتاج الانسان للتأني في تكوين رؤيته عن العالم حتى لا يقع في فخ الاستنتاجات السطحية التي لا تشتبك مع حقيقة العالم من حولنا. قراءة الأدب هي فعل يقع تحت تعريف التأمل، في الحياة وفي البشر، علينا أن نعطيها تقديرها الكافي، ونمارسها على مهل. 

اترك تعليقاً